المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا فرض الحجاب ............ من 3 اجزاء....الجزء الاول


الصفحات : 1 [2] 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16

عصام عبد الحميد
30-06-2007, 07:59 PM
أوهام العلمانيين حول علة الحجاب:[/size]
4- أنه فُرض على المرأة لاضطهادها من قبل الرجال، والدليل الذي يتمسك به أصحاب هذه النظرية هو اقتصار الحجاب على المرأة دون الرجل، إذ يدفعهم ذلك لافتراض استغلال "طبقة" الفقهاء من الرجال لبعض النصوص بهدف تفسيرها على نحو يرسخ نظرتهم الظالمة للمرأة.
والعجيب في الأمر هو تجاهل هؤلاء للحال الذي كانت عليه النساء في عصر نزول هذه النصوص، إذ نزلت آية الحجاب قبل وجود "طبقة الفقهاء"، والتزمت بها النساء فور سماعهن بها.
أخرج أبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة فذكرن نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة: "إن نساء قريش لفضلي، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقا لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته وبنته وأخته، وعلى ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله في كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبح متعجرات كأن على رؤوسهن الغربان." وقد ورد الحديث بأكثر من رواية بعضها في صحيح البخاري.
وليس في الحديث كما نرى أي دليل على اضطهاد أو إكراه من جنس لآخر، بل لم يكن للفقهاء هنا أي دور في تفسير هذه الآية التي تنص بوضوح على وجوب الخمار، إذ بادرت النساء على الفور بتنفيذ أمر الله فور علمهن به، لكونه أمرا من الله تعالى لا من الرجال.
أما عن كون هذا الحكم خاصا بالمرأة دون الرجل، فهذا مما لا يحتاج إلى كبير جهد لبيان علته، فلا يختلف اثنان على أن الرجل يفتتن بكل ما يظهر من جمال المرأة، في الوقت الذي تضع فيه المرأة وسامة الرجل في درجات ثانوية، تأتي بعد اهتمامها بشخصيته وعلمه وماله وغير ذلك، بل إنه من المألوف جدا أن يقترن الرجل بمن تصغره سنا، وأن تصرف المرأة جل وقتها لإخفاء معالم الشيخوخة حفاظا على مكانتها في قلب الرجل، دون أن يكلف الرجل نفسه عناء ذلك.
5- أنه وسيلة لعزل المرأة المسلمة في الغرب عن مجتمعها العلماني ولتمييزها عن غيرها من النساء.
ولا يمضي أصحاب هذه النظرية أيضا إلى ما هو أبعد من ذلك، بل يكتفون بضرورة انصهار النساء جميعا في بوتقة واحدة، إذ يرون أن الرجل المسلم لا يختلف في مظهره عن غيره من الرجال، مما يعني ضرورة إجبار المرأة المسلمة أيضا على عدم ظهورها بما يميزها عن غيرها من النساء.
ويتابع هؤلاء بافتراض كون الحجاب رمزا دينيا، ثم يلحقونه بافتراض آخر يماثله عند الرجل المسلم وهو إطلاق لحيته، ومن ثمّ فإن كلاً من هذين الرمزين يُعدان إشارة إلى كون من يلتزم بهما من "طبقة رجال الدين"، ولا يمكن للطبقات الأخرى من المجتمع أن تشترك مع هؤلاء في المظهر.
إن هذا التصور نابع من موقف الغرب من الدين أولا، ومن مفهومه الخاص لدور الدين ورجاله ثانيا.
فالموقف الغربي من الدين اليوم قائم جملة وتفصيلا على تاريخ طويل من الصراع، إذ ارتبطت صورة الكنيسة طوال قرون بشتى ألوان الاضطهاد والظلام والتخلف، وهذا مما لم يعهد له المسلمون مثيلا في تاريخهم.
أما مفهوم طبقة رجال الدين فقائمة أيضا على خصوصية الدين المسيحي في المجتمع الأوربي، إذ لا يوجد الدين هناك إلا مع وجود مؤسسة كنسية يديرها رجال ونساء منتدبون لهذه المهمة، وهم طبقة من الرهبان والراهبات الذين نذروا حياتهم للدين دون غيره، فلا يمكن الجمع بين هذه المهمة وبين غيرها، بل لا يسمح لأفراد هذه الطبقة بممارسة مهماتهم خارج نطاق المؤسسة.
وهذا تصور لا نجد مثيله أيضا في الإسلام، فليست هناك مؤسسة دينية ولا تنظيم ديني للعاملين فيها، بل هناك مساجد للعبادة والعلم، وعلماء لا يختلفون عن غيرهم سوى بقدراتهم العقلية والنفسية، وعلمهم متاح للجميع طلباً وبذلاً. أما الالتزام بالدين في مظاهره وسلوكه وعقيدته فهو أمر مطلوب من كل المسلمين دون تمييز، وعليه فإن إعفاء اللحى واجب على كل الرجال، كوجوب الحجاب على كل النساء.
بناء على ذلك، فإن المسلم ملزم بالتقيد بهذه الواجبات في كل زمان ومكان، بناء على أمر إلهي ليس لأحد من الناس فيه أي دور، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، دون التفات إلى مستوى علمهم ومكان إقامتهم وطبيعة مهنتهم.
6- أن الحجاب في حد ذاته ليس بالأمر المهم، بل هو مجرد أداة ضغط يتلاعب بها الإسلاميون لإبرازها عند الحاجة، مستهدفين بذلك إثارة القلاقل وصرف الأنظار عما هو أهم.
وقد يلاحظ كل من قُدر له الاطلاع على كتابات هذا النوع من الكتاب أن الأمور المهمة هي تلك التي تتعلق بالفقر والبطالة والوضع الاقتصادي للمجتمع، أما إذا ارتفع مستوى الاهتمام قليلا عن المادة فإن الأهمية لا تتعدى حقوق المرأة الأخرى من ضرورة رفع الظلم عنها، وتعليمها، ومساواتها التامة بالرجل.
وإذا كان الإسلام هو أولى الدعاة بإحقاق الحق ورفع الظلم ونشر العلم، فإن الخلط هنا ليس قاصرا على مفهوم هؤلاء للمساواة الذي لا يراد منه تحويل المرأة إلى رجل كما يُخيل إلى البعض، ولا حتى العبث بأنوثتها، بل إن ترتيب الأمور على هذا النحو من الأهمية لا يقوم لديهم على أكثر من تصورهم العلماني للحياة، فالحوار هنا لا يصح أن يظل حبيس وجهات النظر حول المهم والأهم، ما لم نتفق أولاً على تصور واضح لوجود حياة أخرى بعد هذه الدنيا أو لا.
عند ذلك، يصبح الحديث عن البطالة والفقر مجرد شغب وصرف للأنظار عن هذه القضية، إذ لم يقدم لنا أحد من هؤلاء بين يدي دعواه ما يدل على أن الاهتمام بالعفة والأخلاق يتنافى مع اهتمامنا المشترك بالتنمية ومحاربة الفقر، أما إذا كان همّهم مقصوراً على هذا الجانب المادي من الإنسان، فليأخذ الحوار إذن منحاه الحقيقي، وليُترك أمر العفة وما يقوم عليه من تماسك البنيان الاجتماعي للمختصين، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.