المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : روضة المحبين ونزهة المشتاقين


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16

ذيب السنافي
11-07-2006, 07:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد :

كنت أتكلم أنا وشخص عن المحبة وهل الحب يبنى على الجمال؟؟

أم أن الحب يأتي حتى وإن كان الجمال ناقصاً ؟؟

والحقيقة أني في وجهت نظري الشخصية أعتقد أن الجمال ليس أساس الحب .. بل الحب يأتي من الروح للروح ...

وكنت أتأمل في حال كثير من الناس ولفت نظري شخص أعرفه جيداً ويذكر أنه متزوج من امرأة بشعة جداً وليس بها من الجمال ذرة والحقيقة أني سألته هل تحبها قال وربي أني أعشقها أكثر من أهلي كلهم أحبها حباً جما فلم استغرب من كلامه لأنه وافق ما أعتقده وأراه ..

ولكني أردت أن أكتب هنا عن هذا الموضوع نظراً لأني أردت أن أفيدكم بما قاله الحبر العالم ابن القيم عن الحب وفي هذه المسألة بالذات في كتابه (روضة المحبين ونزهة المشتاقين ) وأشرح بعض عباراته التي تحتاج شرح لصعوبتها مثلاً على الفهم ... ولنبدأ الرحلة في كتاب ابن القيم :

في الجزء الأول من الكتاب قال :
(فها هنا أمور وصف المحبوب وجماله وشعور المحب به والمناسبة وهي العلاقة والملاءمة التي بين المحب والمحبوب فمتى قويت الثلاثة وكملت قويت المحبة واستحكمت ونقصان المحبة وضفعها بحسب ضعف هذه الثلاثة أو نقصها )
الشرح :

يقول أن الحب يكمل ويقوى ويستحكم وينقص أيضاً ويضعف حسب ثلاثة أمور هي :

1- وصف المحبوب وجماله <- الشرح : يعني شكله الخلقي .

2- وشعور المحب به <- الشرح : أي شعور المحب بذلك الجمال وتحسسه وتذوقه للجمال الذي في محبوبه ويقول ابن القيم في وصف هذا الشعور (فمتى كان المحبوب في غاية الجمال وشعور المحب بجماله أتم شعور والمناسبة التي بين الروحين قوية فذلك الحب اللازم الدائم وقد يكون الجمال في نفسه ناقصا(الشرح :يقصد ابن القيم أنها ربما كانت ليست المرأة جميلة أو أن جمالها ليس بالجمال الخارق) لكن هو في عين المحب كامل فتكون قوة محبته بحسب ذلك الجمال عنده(الشرح : أي يقصد حسب مايراه المحب فلربما تكون قبيحة ولكنه يراها جميلة ويكون حبه قوي بحسب رؤيته لذلك الجمال) فإن حبك للشيء يعمي ويصم فلا يرى المحب أحدا أحسن من محبوبه كما يحكى أن عزة دخلت على الحجاج فقال لها يا عزة والله ما أنت كما قال فيك كثير فقالت أيها الأمير إنه لم يرني بالعين التي رأيتني بها ولا ريب أن المحبوب أحلى في عين محبه وأكبر في صدره من غيره وقد أفصح بهذا القائل في قوله
فوالله ما أدري أزيدت ملاحة % وحسنا على النسوان أم ليس لي عقل )

3- العلاقة والملاءمة التي بين المحب والمحبوب <- الشرح : وهذه العلاقة والمواءمة يقصد بها الجانب الروحي من المحب والمحبوب يعني الإنجذاب الروحي بينهما وهو كما وصفه ابن القيم في موضع آخر وقال عنه : (فإن التناسب الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة فكل امرىء يصبو إلى ما يناسبه وهذه المناسبة نوعان أصلية من أصل الخلقة وعارضة بسبب المجاورة أو الاشتراك في أمر من الأمور )
الشرح : يعني يقول إن الإنجذاب الروحي بينهما من أقوى أسباب المحبة ... ومن ثم فسر المناسبة التي تكون بين روحين فينجذبان بأن قسمها إلى نوعين :

1- مناسبة أصلية من أصل الخلقة . وفسرها بتفسير أورده لكم يقول (فأما التناسب الأصلي فهو اتفاق أخلاق وتشاكل أرواح وشوق كل نفس إلى مشاكلها فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع فتكون الروحان متشاكلتين في أصل الخلقةفتنجذب كل منهما إلى الأخرى بالطبع)

2- ومناسبة عارضة بسبب المجاورة أو الاشتراك في أمر من الأمور.. <- الشرح : بسبب المجاورة مثل العشرة يقصد والاعتياد بحيث ترى شخص أمامك كل يوم فهذا يولد محبته لديك .. وأما بسبب الاشتراك في أمورمن الأمور أي اشتراك في مشكله أو في وضع فيحس أن المحبوب وهو نفس الشخص فيحبه...


وفي عرض النوع الأول ذكر تعريضاً نوع ثالث وهو يبدو نوع ضعيف ولهذا ذكره بلا تقسيم وإنما ذكره في عرض النوع الأول أو ربما أنه ذكره معه بناءً على أنه نوع متفرع من هذا النوع ولكني سأذكر النوع العرضي الذي ذكره لوحده لأنه نفس ماكنت أقول به في بداية الحديث)

3- يقول ابن القيم (وقد يقع الانجذاب والميل بالخاصية وهذا لا يعلل ولا يعرف سببه كانجذاب الحديد إلى الحجر المغناطيس ولا ريب أن وقوع هذا القدر بين الأرواح أعظم من وقوعه بين الجمادات كما قيل
محاسنها هيولى كل حسن % ومغناطيس أفئدة الرجال ) <- الشرح : يقصد أنه لايوجد له سبب واضح ولا علة أو تبرير وهو مثل الإنجذاب الذي يقع بين الجمادات و احتمال وقوعه بين الأرواح أعظم وأكثر توقعاً ..

ثم بدأ يتكلم عن الذين يرون الإنجذاب والميل بالخاصية فقالوا أن الحب بسببها فقط فيقول ابن القيم (وهذا الذي حمل بعض الناس على أن قال إن العشق لا يقف على الحسن والجمال ولا يلزم من عدمه عدمه وإنما هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع المخلوقة كما قيل
وما الحب من حسن ولا من ملاحة % ولكنه شيء به الروح تكلف)

فبدأ ابن القيم بتبيين سبب قول هؤلاء الناس بالقول الفائت فقال ( قال هذا القائل فحقيقته انه مرآة يبصر فيها المحب طباعة ورقته في صورة محبوبة ففي الحقيقة لم يحب إلا نفسه وطباعه ومشاكله ) <- ثم بدأ ابن القيم بضرب الأمثال لإيضاح هذا الكلام فقال (قال بعضهم لمحبوبه صادفت فيك جوهر نفسي ومشاكلتها في كل أحوالها فانبعثت نفسي نحوك وانقادت إليك وإنما هويت نفسي وهذا صحيح من وجه فإن المناسبة علة الضم شرعا وقدرا وشاهد هذا بالاعتبار أن أحب الأغذية إلى الحيوان ما كان أشبه بجوهر بدنه وأكثر مناسبة له وكلما قويت المناسبة بين الغاذي والغذاء كان ميل النفس إليه أكثر وكلما بعدت المناسبة حصلت النفرة عنه ولا ريب أن هذا قدر زائد على مجرد الحسن والجمال ولهذا كانت النفوس الشريفة الزكية العلوية تعشق صفات الكمال بالذات فأحب شيء إليها العلم والشجاعة والعفة والجود والإحسان والصبر والثبات لمناسبة هذه الأوصاف لجوهرها بخلاف النفوس اللئيمة الدنية فإنها بمعزل عن محبة هذه الصفات وكثير من الناس يحمله على الجود والإحسان فرط عشقه ومحبته له واللذة التي يجدها في بذله كما قال المأمون لقد حبب إلي العفو حتى خشيت أن لا أؤجر عليه وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تعلمت هذا العلم لله فقال أما لله فعزيز ولكن شيء حبب إلي ففعلته وقال آخر إني لأفرح بالعطاء وألتذ به أكثر وأعظم مما يفرح الآخذ بما يأخذه مني وفي هذا قيل في مدح بعض الكرماء من أبيات
وتأخذه عند المكارم هزة % كما اهتز عند البارح الغصن الرطب )

في النهاية اتمنى أني وفقت في عرض الأمر بصورة جلية وواضحة وأن أبين بعض التأملات للعالم الفذ والرجل الهمام والمتأمل العجيب ابن القيم رحمه الله .. وأن أكون بينت كلامه الذي لا يحتاج في الحقيقة لشرح لوضوحه وجلائه ..

أشكركم ...

كتبه وجمعه
ذيب السنافي

تحياتي ..