المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قــصــة ســجــيــن


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16

الجوهرة
26-07-2008, 07:39 AM
أسأل الله لكل من قرأ الموضوع الفردوس الأعلى من الجنة .





خلق الله تعالى الإنسان ، ووهب له نعماً متنوعة ، وقسم الله هذه النعم بين الناس ..

فمن الناس من أتاه الله تعالى مالاً ، ولم يؤته صحة ، فتجده مقعداً على سرير أبيض !

ومنهم من أتاه الله صحة ، وقوةً في بدنه ، لكنه لم يؤته مالاً ، فتجده حمالاً في سوق ، أو عاملاً في منجم !

ومن الناس من أتاه الله صحةً ، ووسع عليه بالمال ، لكنه أخذ منه العقل ، فتراه محبوساً في غرفةٍ في مستشفى المجانين !

ومن الناس من أخذ الله سمعه ، فتجده يتلفت إلى الناس بعينيه ، ويشير لهم بيديه ، فلا هو يفهمهم ، ولا هم يكادون يفهمونه !

ومنهم من أخذ الله تعالى بصره .. ومنهم من أبكم لسانه

قال تعالى : " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "

وهذا الذي أبكم الله لسانه .. من يدري ؟!!

ربما لو أعطاه الله الكلام ، لكان سبباً في هلاكه يوم القيامة !!

فكم من رجلُ تردى في النار بسبب كلمةٍ من لسانه .

في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) .

ما يتبين فيها : يعني يُخرج الكلمة في مجلس أو سيارة .. هكذا يُطلق الكلام من غير أن يفكر فيه من غضب الله ومن الحرام .

وعند الترمذي من حديث بلال ابن الحارث المزني قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله تعالى بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه ) .

يعني رجل يُلقي كلمة في مجلس ، أو يقدم نصيحة إلى إنسان

أو يُدافع عن عرض أخيه .. أي كلام فيه نوع من رضوان الله .. تسبيح ، تهليل .. أو غير ذلكـ

فتخيلوا أن الله يرضى عنه بسبب هذه الكلمة إلى أن يلقاه !!

وأعوذ بالله أن يكون هذا الإنسان ينام ويأكل ويشرب ، ويذهب ، ويجيء ..

وهو قبل شهر أو شهرين ، أو سنة ، أو عشر سنوات ..

قد تساهل بكلمة من سخط الله فألقاها ..

ولا يزال الله عليه ساخطاً عليه لمدة عشرين أو أربعين أو خمسين سنة .. إلى أن يموت !!!

هل نظرت في مقدار عظمة هذه الكلمات ؟!!

لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر شيء يُدخل الناس النار ؟

ما قال : الربا ، وعقوق الوالدين ، وأكل أموال الناس بالباطل ..

مع عظمة هذه الأمور بلا شكـ !

قال عليه الصلاة والسلام : ( أكثر ما يدخل الناس إلى النار الفم والفرج ) .

إذا تأملنا هذه الأحاديث وجدناها تدور على شيْ واحد

شيء صغير في جِرمه ، لكنه كبير في جُرمه .

ألا وهو الــلـــــســـــــــــــــــــ ان !!

الذي شدد الله سبحانه وتعالى عليه الرقابة فقال : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "

وتوعد على إطلاقه في الحرام : " إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ "

ولشدة خطره ، وعظيم جرمه .. جعل الله سبحانه وتعالى عليه غطاءين :

الفكين ، والشفتين .

حتى ما يتفلت من سجنه ، فيؤذي الآمنين .

قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : [ ما من شيء أحق بالسجن من اللسان ]

وقال غيره : [ مثل اللسان كمثل السبع ، إن لم توثقه عدا عليكـ فأكلكـ ] .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يُمسكـ بلسانه ويقول : [ هذا الذي أوردني الموارد ]

أي هذا الذي أوقعني في المهالكـ ، وجاءني بالمصائب .

كانوا يحرصون على سجنه ، ويخافون من جرمه

فما قصة هذا السجين ؟

وكيف تواصى العلماء بسجنه ؟

ولماذا حذر العقلاء من فكـ قيده ؟

ولماذا كانوا يؤثرون السكوت على الكلام ؟


كان محمد ابن واسع كثير الصمت إلا في درسٍ أو حديث أو خير أو مؤانسة لأصحابه ، أو كلام مباح ..
حتى قال بعض أصحابه : والله لو شئت لعددت كلامه من الجمعة إلى الجمعة .

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول : [ ويحكـ ، قل خيراً تغنم ، أو اسكت عن شرٍ تسلم ] .

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ألا يُطلق من سجنه ، ولا يُحل من قيده إلا في خير .

فقال عليه الصلاة والسلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) .

إن كنت لا تريد قول الخير فاصمت

اجعل لسانكـ مسجوناً ، لا تخرجه من زنزانته

اجعل الفكين على حالهما مُغلقين ، واجعل الشفتين كذلكـ .

ذكروا في سيرة المعافى بن سليمان أنه كان يُمسكـ لسانه عن جميع الكلام إلا ما فيه طاعة ، أو فيما يرجو منه ثواباً . وكان يمشي في يومٍ من الأيام وهو يُسبح ويهلل ، فمر عليه رجل فقال : ما أشد البرد اليوم . فألتفت إليه المعافى وقال : استدفأت الآن ؟ ـ أي هل شعرت بالدفء ـ قال : لا ، فقال له المعافى : إذاً لم قلتها ؟

ما دام أنكـ ما شعرت بالدفء لماذا تقولها ؟

ما دام أنكـ حركت لسانكـ سبح وهلل .


وإذا هممت بالنطق بالباطل = فاجعل مكانه تسبيحا

ومع الأسف لا تطيب المجالس عند البعض ، ولا يحلو الحديث إلا بالسب والشتم واللعن ...

والأشد من ذلكـ أن بعض النفوس يرون أنه من باب المزاح والتسلية

وقضاء الأوقات ، وتحلية المجالس !!

وما علم هؤلاء أنهم وقعوا في الفسق ، وأضاعوا أوقاتهم .. بل وحملوا أنفسهم الأوزار .

ويجب على من سمع غيبة مسلم أن يردها ويزجر قائلها .

صح عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ) .

وصح عند أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من امريء يخذل امرءٍ مسلماً في موطنٍ تُنتهكـ فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطنٍ يُحب فيه نصرته وما من امريءٍ ينصر مسلماً في موضع يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهكـ فيه من حُرمته إلا نصره الله في موطنٍ يحب فيه نصرته ) .

فإذا تُكلم على أحد المسلمين وأنت ساكت .. لم تُدافع ، وخذلت أخاكـ المسلم

سيخذلكـ الله في موطنٍ أنت تحب فيه النُصرة .

ومن أعظم الغيبة أن يستهزيء المر بمن صلح دينه أو ارتفع شأنه في عبادته

غيبة العلماء

غيبة الدعاة

غيبة طلبة العلم

غيبة أئمة المساجد

أن تتكلم في لحيته ، في قصر ثوبه ، في أسلوبه في الخطابة ...

هذا من أعظم الحرام ، لأنه في الحقيقة استهزاء بالدين !

فالله من أمره أن يعفي لحيته ، وأن يُقصر من ثوبه ، وأن يُحجب نسائه ...

خرج النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في غزوة تبوكـ ، في ساعة عسرة شديدة ، وحر حارق ، ورمضاء ، وغبار .. مكثوا هناكـ في تبوكـ ما شاء الله ، ثم عادوا إلى المدينة ..
وكان خيار الصحابة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون معه ، يشاورهم ويشاورونه .
حقد جمعُ من المنافقين عليهم ، حقدوا على أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وطلحة ، وعبد الله بن مسعود ...

فجعلوا يستهزأون ، ويُحدثون النكت والطرائف على هؤلاء الصحابة . فقال أحدهم : ما رأينا قُراءنا هؤلاء أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء .
فسمعه عوف ابن مالكـ فرد عن عرض إخوانه وقال : كذبت ، لكنكـ منافق ، لأخبرن عنكـ رسول الله .
فذهب مسرعاً للرسول صلى الله عليه وسلم فإذا القرآن قد سبقه وأنزل الله قوله تعالى : " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ "

فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوها

انتفض الصحابة ، ثلاثون ألف صحابي معه

فأقبل أولئكـ يعتذرون

يظنون أن الأمر سهل !!

والنبي صلى الله عليه وسلم ماشي لا يلتفت إليهم

ولما أكثروا عليه ركب ناقته ، وقال : أيها الناس ارتحلوا .

فأقبلوا إليه يعتذرون ، وهو يردد : أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ؟!!

حتى أقبل إليه كبيرهم وجاء ليتعلق بناقة النبي صلى الله عليه وسلم

يقول ابن عمر : وأنا أرى الرسول يمشي بناقته والرجل متعلق والحجارة تضرب في قدميه

وهو يقول : يا رسول الله إنما هو كلام وهو حديث الركب نقطع به عناء الطريق .

والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليهم وإنما يردد : أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ؟!!

ولا يزال هذا الرجل يبكي والرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليه بمثل هذا الكلام .



اسأل الله أن يعيننا على حفظ ألسنتنا

ويجعلنا ممن يستعملها في طاعة الله

ومن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات .


* قصة سجين / الشيخ محمد العريفي .