المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لعنة الله على الفساد والمفسدين


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16

مازن حجازي
07-12-2007, 07:42 PM
فى مصر: لاشيئ يعمل و لااحد يدرى لماذا

كان احد الزملاء مغرما بلصق الاوراق التى تحمل مقولات او حكم او حتى رسوم ساخرة فى اماكن متعددة بغرفة مكتبه، و اتذكر من تلك الاوراق واحدة كانت باللغة الانجليزية يمكن ترجمتها كالتالى:
"فى النظرية لاشيئ يعمل و الكل يفهم السبب، و فى الواقع العملى كل الاشياء تعمل و لكن لااحد يفهم لماذا، اما هنا فقد دمجنا النظرية بالتطبيق العملى، فعندنا لاشيئ يعمل و لااحد يدرى عن السبب"

و تتميز مصر بوضع شديد الغرابة لايمكن ان تجد له مثيلا فى العالم كله، و هذا الوضع هو ما تنطبق عليه تلك العبارة السابقة.

فكثير من الدول و الانظمة لايختلف اثنان (سوى حكامها طبعا) فى انها انظمة ديكتاتورية و استبدادية، بل ان هذه الانظمة لاتخفى ذلك بممارساتها العلنية، فقد تعطل الدستور و البرلمان و تفرض الاحكام العرفية و تكمم الافواه و تمنع التظاهر،...الخ الى غير ذلك من تلك الممارسات
ومن الامثلة المعاصرة النظام العراقى السابق، النظام السورى الحالى، كوريا الشمالية، و كوبا.
و هناك الانظمة المعروفة بالفساد الذى يعتبر السمة الرئيسية لها حيث تختفى الفوارق بين ثروة الحاكم و اموال الدولة الى الدرجة التى يتعامل بها الحاكم مع ثروات و اقتصاد دولته كملك شخصى له، و قد برع فى ذلك العديد من حكام افريقيا السمراء و بعض دول امريكا اللاتينية و منهم على سبيل المثال موبوتو بالكونغو
وهناك الدول المشكوك فى شرعية نظامها لانه اما اتى بانقلاب عسكرى او بانتخابات مزورة، و غالبا لايختلف الكثيرين على تلك الحقيقة

اما فى مصر فقد تكون وضع شديد الغرابة و التناقض و اللامنطقية
فاذا قلت انه لاتوجد ديمقراطية وجدت من يرد عليك بالحجج و الاسانيد و الوقائع و القوانين ان مصر تعيش ازهى عصور الديمقراطية و ان تلك الديمقراطية لاتقل عن مثيلاتها فى الدول الغربية ان لم تتفوق عليها
فالدولة بها دستور يكفل الحريات و الحقوق و بها برلمان منتخب و رئيس الجمهورية يجرى انتخابه فى "عرس ديمقراطى" رائع، و الفصل بين السلطات موجود، و القضاء نزيه و مستقل، و يمكنك ان تظل تستمع لتلك المقولات و البراهين لايام طويلة، و الكارثة ان كلها "نظريا" فعلا موجودة!
و لكن اذا تاملت الواقع لاتجد شيئا من ذلك على الاطلاق!!!
فالعرس الديمقراطى لا يحضره احد سوى بالاكراه او بالترغيب، (ولاادرى من المقيت الذى يصر على وصف كل انتخابات او استفتاءات بالعرس ) و النتيجة السخيفة تتكرر بنفس النسبة و نفس الرقم (المعروف مسبقا) مع كل الرؤساء و فى كل الانتخابات (99.9)
و الرئيس غير مسموح بانتقاده او محاسبته لانه لايخطئ ابدا، و البرلمان وصل اعضائه بالتزوير و البلطجة التى رايناها جميعا فى الانتخابات السابقة وباستغلال النفوذ حتى كان منهم فى بعض الاوقات تجار المخدرات و الاميين، و هذا البرلمان لم يطرح الثقة يوما فى اية حكومة و لم يحاسب وزيرا و جلساته لاتعدو عن كونها مهازل و مسرحيات هابطة يتصور اعضائها انهم يشرعون و ينتقدون و يصلحون بينما النتائج و القرارات معروفة مسبقا و دائما ما تنتهى تلك المسرحيات بالموافقة التامة على كل ما يريده الرئيس و الحكومة، فلا يعدو الامر اكثر من عملية تجميل و مظاهر شكلية سئم منها الناس تماما كمؤتمرات القمة العربية
و السلطات جميعها مركزة فى سلطة واحدة هى التنفيذية و تلك بدورها مركزة فى شخص الرئيس و حاشيته، و الممارسات اليومية لاتحتاج لدليل على ذلك

اما اذا تحدثت عن الحرية و حقوق الانسان فستجد من بين منتفعى السلطة و سدنتها من يعطيك دروسا مطولة عن النعيم الذى يرفل فيه المصريين، و للحق فان كثيرا مما سيقال فى ذلك موجود "نظريا" و يراه الجميع
فمن المؤكد انه سيقال لك: انظر الى عدد الاحزاب الموجودة (حوالى العشرين) ولكل منها صحيفته التى ينشر بها ما يشاء، و المظاهرات تجرى تحت "حماية" البوليس، و الصحافة مستقلة و بامكان اى شخص ان يكتب ما يشاء و ينتقد من يشاء، و القانون يكفل حقوق الانسان و يحميها، بالاضافة طبعا الى عشرات المجالس و الهيئات التى "انشأتها الدولة" لحماية حقوق الانسان، و كل ما سبق هو جزء من الف جزء مما سيقال لك فى هذا المجال
ومرة اخرى فان الواقع مختلف تمام الاختلاف عن كل ذلك.
فالاحزاب محاصرة و مكبلة بجدار سميك من التضييق و الترهيب (وكله بالقانون) و ما تنشره صحفها يجرى دائما وصفه "بمحاولات اثارة الفتنة و الاحقاد و تهييج الجماهير" اما المظاهرات التى سمح بها مؤخرا بسبب الضغوط الدولية فحدث و لا حرج
فعدد افراد البوليس قد يصل الى خمسين ضعفا لعدد المتظاهرين الذين يجرى غالبا ضربهم و اعتقالهم و اهانتهم و ارهابهم حتى وصل الامر فى احد المظاهرات السابقة الى هتك عرض احدى المتظاهرات نهارا جهارا و لم يتم مسائلة احد عن ذلك للان!
و لقد رايت بعينى تجمعا لعدد لايزيد عن عشرين شخصا يرفعون بعض اللافتات المعارضة، بينما تحيط بهم (العشرين شخصا) جحافل من افراد و ضباط البوليس و الكلاب البوليسية و العربات المصفحة و قوات بازياء و اسلحة متعددة و المضحك المبكى ان هؤلاء الجنود و الضباط بتصرفاتهم السفيهة و ما يرتسم على وجوههم من البلاهة يظنون انهم فى حرب ضروس و مهمة خطيرة فى حماية الامن و النظام من العشرين فردا الصامتين
و فى الصحافة انت فعلا تكتب ما تريد (فى ظل خطوط حمراء) و لكن اما ان يقبض عليك بجريمة القذف و التشهير او يعتدى عليك (ولايتم معرفة الفاعل ابدا) كما حدث مع بعض الصحفيين و منهم عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة العربى، او يتم تجاهل ما تقوله و هو الذى يحدث فى اغلب الاحوال
و اعتقد انه يمكن تقسيم الفترات التى مرت بها مصر فيما يخص حرية الصحافة و حرية الكتابة الى ثلاث مراحل مرتبطة بثلاث رؤساء:
ففى عهد جمال عبد الناصر لم يكن مسموحا باى هامش من النقد للحكومة او الرئيس او لسياسة الدولة عموما على الاطلاق
و فى عهد السادات تم زيادة الهامش قليلا على الا يتعدى العديد من الخطوط الحمراء و منها بالطبع رئيس الجمهورية و قراراته و سياسته
و فى عهد مبارك المظلم الطويل اتسع هذا الهامش كثيرا و هذا حق يقال، و لكن السياسة الجديدة و الخبيثة هى التجاهل التام، فيمكنك مثلا ان تظل تكتب عن فساد و انحراف مسئول ما او زير ما و تدعم ما تكتبه بالوثائق و الوقائع و الشهود و الصور و كافة الدلائل و لكن لايلتفت اليك احد و لايستجيب اى من اجهزة الدولة لما تقوله مهما بلغت درجت الانحراف و الفساد و خطورته و توحشه (اللهم الا للقبض عليك بتهمة السب و القذف و التشهير)
وقس على ذلك كل ما يكتب و يقال عن الانحرافات و الظلم و الاهمال و انتشار الرشوة و الفساد و سوء الادارة و تردى الاوضاع، ...الخ
فاصبحت سياسة النظام هى "قل ما شئت و اكتب ما شئت و لكننا لن نهتم او نتاثر او حتى نلتفت لاى مما تقوله"
او كما يقال : لقد اسمعت لو ناديت حيا :: و لكن لاحياة لمن تنادى
مع الفارق ان من نناديهم يحيون حياة فى منتهى الصحة و الرفاه و النعيم ولاتخفى عليهم خافية

و ربما كانت تلك السياسة اخبث و اذكى من سابقاتها فهى تحقق نوعا من "التنفيس" عن القهر و الذل و الغضب لدى الشعب الذى لو كبت لانفجر، و الواقع ان هذا التنفيس يستهلك فعلا جزءا كبيرا من طاقة الغضب لدى الناس، بينما لايتغير شيئ و تسير الامور للاسوء
اما المجالس و المنظمات و هيئات حقوق الانسان فكلها شكلية و صورية، لاوجود فعلى لها بين الناس و تتحرك فى دائرة ضيقة جدا داخل القاعات الفخمة بين الاجتماعات و التوصيات و الندوات التى لاتاثير لها و لايدرى عنها الشعب شيئا لانها لم تقدم له اى شيئ يذكر (على خلاف ما يظن اعضائها طبعا)

و اذا تحدثت عن انتشار و استشراء الفساد و الاهمال و سوء الادارة و تردى الاوضاع و الخدمات، انبرى لك من يفحمك بان الدولة لاتسكت على اى فساد او انحراف و اخذ يعدد لك الاجهزة المكلفة بمكافحة الفساد و الانحراف و القضايا التى ضبطتها هذه الاجهزة "الفعالة"، ثم اخذ يعدد لك النهضة و الانجازات و التطوير القائم على قدم و ساق فى شتى المجالات
و كل هذا ايضا موجود و لايمكن انكاره
اما فى الواقع فان الفساد فى مصر قد توحش و استشرى و باض و افرخ فى كل متر من الدولة، فهذه القضايا المضبوطة (على قلتها) يتم استخدامها غالبا لتلميع الصورة و اقامة الحجة على من يتحدث عن الفساد، و لكن يقابلها الاف بل مئات الالاف من القضايا و المسئولين الذين تكتب الصحف و يتحدث الناس و تظهر نتائج فسادهم و انحرافهم لكل شخص و لكن لاحياة لمن تنادى
كما ان الرشوة على المستويات "الصغيرة" اصبحت امرا واقعا و حقيقة قائمة حتى لم تعد تصنف كجريمة يعاقب عليها القانون بعد ان تقبلها الناس و تعايشوا معها، فاليوم لايمكنك انجاز اى من مصالحك على اختلاف انواعها صغرت ام كبرت بدون الرشوة، حتى صاغ الشعب المصرى ذلك الواقع على طريقته الساخرة فى المقولة المنتشرة "انك لن تقضى مصلحتك سوى بالجنيه او بالكارنيه" و الجنيه هو الرشوة، و الكارنيه هو النفوذ و المركز و الواسطة.
ام عن احوال الشعب فهى من سيئ لاسوا، فالتعليم متردى و سياساته متخبطة و يخرج جيوشا من الاميين و يكفى ان اى من جامعات مصرالعريقة و مصدر الاشعاع و مهد العلم و الحضارة لم يحصل اى منها على اى من المراكز الخمسمائة الاولى لجامعات العالم ، اما التعليم "المقبول" فقد اقتصر على فئة قليلة تستطيع تحمل نفقاته الباهظة فى دولة تدعى مجانية التعليم.
و الصحة حالها اسوا، حتى اصبح حصولك على علاج سليم او حتى خروجك صحيحا من مستشفى حكومى مدعاة للدهشة و الاستغراب، و نفس الاهمال و الفساد فى المستشفيات الخاصة مع بعض الفرق فى المظهر الخارجى
و الاغذية الفاسدة الغير صالحة للاستهلاك الادمى اصبحت واقعا نعايشه كل يوم حتى تعودت معدة المصريين عليها سوى فى بعض الحالات التى ربما تستخدم فيها سموم جديدة او تزيد درجة فسادها عما تعودنا عليه، و تلك لايدان فيها احد و لاتنسب مسئوليتها لاحد اللهم الا بعض الصغار او متواضعى الحال ، لزوم تجميل الصورة.
ويندر ان تجد رغيفا للخبز يتناوله المصريون يخلو من احد هذه العناصر: حشرات ميتة، اعقاب سجائر، مسامير او قطع معدنية، تراب، قطع من القمامة، و قد يسعدك الحظ فتحصل عليها كلها فى رغيف واحد
والخدمات الحكومية اصبح الحصول عليها ايسر من ولوج الجمل فى ثقب الابرة، بعد ان اصبحت مرتعا للفساد و الاهمال ووسيلة لتعذيب و قهر المواطنين
و لقد كان حادث العبارة التى غرقت مؤخرا فى البحر الاحمر خير مثال على ذلك التناقض، فالرئيس تدخل وزار الموقع و البرلمان ناقش و استنكرو الوزراء تحركوا و كافة الاجهزة قامت بدورها، اما الواقع الاليم فيكفى ان تسال عنه اى من الضحايا او اقاربهم.
والقائمة طويلة جدا و تشمل كل شيئ يمس احوال المصريين فى شتى المجالات

و لكن تبقى الظاهرة المميزة و التى تنفرد بها مصر بين دول العالم اجمع لتعكس مدى ذكاء و شطارة المصريين

فالظاهر و الموجود و الذى تصعب المجادلة فيه ينضح بالحرية و الديمقراطية و التطوير و الازدهار و المساواة و احترام القانون و حماية الحقوق
اما الواقع الذى نلمسه و نعيشه فهو صورة كئيبة و قاتمة لقائمة طويلة و متجددة من الفساد، الاستبداد، الاهمال، الفوضى، التسلط ،تردى الاوضاع، و انتشار الظلم و الفقر

وبعد، الا نجد تشابها بل و انطباقا بين العبارة التى ذكرناها فى البداية و الاحوال فى مصرنا التعيسة و لكن مع اختلاف طفيف

فكل شيئ موجود ولكن لاشيئ يعمل و لاندرى لماذا

و لكن الفارق هو ان كل شيئ لايعمل فى الاتجاه الصحيح و لكنه يعمل بالمقلوب و للخلف و فى الناحية العكسية وربما كان ذلك هو السبب الغائب عنا.


منقووووووووووووووووووووووول - مع شيئ من التصرف