المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد بطاح المحيسن ( الاردن)


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16

راجي الحاج
30-11-2007, 02:17 PM
محمد بطاح المحيسن
(1888-1942)
ولد محمد بطاح المحيسن في مدينة الطفيلة سنة 1888م. أوفد إلى دمشق للالتحاق بمدرسة "عنبر" وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة هناك. غادر دمشق بعد أن أنهى الصف الحادي عشر، على أثر حركة اعتصام قام بها مع زملائه في المدرسة؛ مطالبين بزيادة حصص اللغة العربية، والتاريخ العربي.
سافر إلى فرنسا، ومنها إلى أمريكا الشمالية، حيث استقر فيها، وأكمل تعليمه الجامعي، وأصدر جريدة "الصراط" باللغة العربية، وأسّس جريدة أخرى مع عبد الحميد شومان لم يتسنّ لها الاستمرار أكثر من سنة واحدة، وأسمياها "جريدة الدبور".
انتخب ناطقاً باسم أعضاء الجاليات العربية في مؤتمر الصلح في فرساي، وإن لم يتمكّن من المشاركة فيه، وقاد مع إخوانه العديد من الحركات الوطنية وتأسيس عدّة أحزاب سياسية، مناهضة للأتراك، والاستعمار، والصهيونية من بعد. عاد إلى الأردن عام 1923 وعمل مفتّشاً للمعارف، فمديراً لثانوية إربد حتى عام 1933. تنقّل بعدها بين عدّة مناصب إدارية، كان منها: تعيينه رئيساً للديوان الأميري، ومتصرّفاً للواء معان، وتوفي فيها في 15/3/1942م.

مؤلفاته
- الرواية:
1- الأسير : مثّلت على خشبات المسرح في أمريكا، تحدّث فيها عن نضال الإخوة المغاربة، ومقاومتهم للاستعمار، مخلّدا فيها دور الأمير المجاهد عبد الكريم الخطابي.
2- الذئب الأغبر: مثّلت على خشبات المسرح في أمريكا. وكان لريع عرضها على مسارح أمريكا دور في الإسهام بإصدار جريدة "الصراط". تحدّث فيها عن حركة مصطفى كمال في تركيا، وما لقيه العرب من تنكيل على يديه.
3- الفريسة: تحدّث فيهاعن المجتمع العربي أواخر الحكم العثماني مشيراً إلى الروّاد الأوائل من قادة الثورة العربيّة الكبرى. والرواية غير مستكملة لبعض فصولها إمّا لضياعها، وإمّا لبعثرتها هنا وهناك.
4- الأمير : المطبعة الوطنية، عمّان، 1933.

من مراجع ترجمته:
- الخطبا (فوزي): محمد بطاح محيسن: حياته. وآثاره، سلسلة أعلام الأردن (1)، مطبعة شقير وعكشة، عمان، 1989.







الاستدراج والخدعة

كان شكري بك ساكناً في نُزلٍ مع بعض زملائه النوّاب بالقرب من دار البرلمان العثماني، ولما انفضّ الاجتماع المعلوم في حيّ قاسم باشا، عاد مع رفيقه عبد الغني العربي إلى الفندق الذي يسكن فيه. وكانت الساعة التي عاد فيها إلى الفندق تقارب الواحدة والنصف، فرأى رجلاً جالساً على مقعد في بهو الفندق بالقرب من الموقد، وكانت معظم أنوار الفندق قد أطفئت ولم يبق في البهو إلا نور مصباح ضئيل، فارتاب شكري بك من هذا الرجل الذي لم يلازم فراشه حتى هذا الوقت المتأخر ولا تنمّ قيافته على كونه من خدم الفندق، فقرّت قدمه بالكرسي الذي كان الرجل جالساً عليه، وعندها تثاءب الرجل، واشتد متثاقلاً، وجعل يفرك عينية بكلتا يديه، وقال معتذراً:
- ألا يمكن للأستاذ أن يستريح لحظة بمفرده، دون أن يعكّر راحته معكر؟
ألم ترني يا هذا أقلقت راحتي وهدوئي؟
نظر إليه شكري بك نظرة حادة وقال له بشيء من التهكّم:
- لك علي حقّ الاعتذار يا أفندي! ولكن انطفأت الأنوار وخلا البهو من الضيوف حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل، كل ذلك لا يبقي لك حقاً بالشكوى من اصصطدامي بك أنعم مساء.
قال ذلك وظلّ هو ورفيقه سائرين إلى الشقة الخاصة بهما وتركا الرجل ينظر، إليهما دون أن يبدي أية ملاحظة على كلام شكري بك.
كانت غاية شكري بك من تحرّشه بالرجل أن يعرفه، فتمّ له ما أراد.
كان هذا الرجل المتّضع الفعلة درويش جهان الذي رأيناه في مطعم دار الفنون، وهو أخطر صنائع الاتحاديين، وأمضاهم عزيمة بتنفيذ أوامر الجمعية، وأبرعهم إتقاناً بفن التجسّس، وقد لحظ من شكري بك تردّده على الفندق الذي يسكنه منذُ أسابيع، ولما استسرّ مدير الفندق سائلاً عن هويته أجابه بأنه من أشد آلات "العصبة الرهيبة" خطراً، وأنه قد استأجر في الفندق غرفة على حسابه، ولكنه قلّما يأوي إليها. ولما انفرد شكري بك مع عبد الغني أفندي في الجناح الخاص بشكري بك قال مخاطباً رفيقه: أتعلم من هو هذا ارجل البشع الذي وجدناه الآن في البهو؟
- كلا أنّى لي أن أعرفه. إنه زعيم عصابة الفدائيين في جمعية الاتحاد والترقي، ومهّمته ليست منحصرة بالفتك والاغتيال، بل هو جاسوس ماهر، لا تفوته فائتةّ من كل قضية يتعقّبها. وقد حدث لي معه حادث منذ شهرين، كدت أن أذهب معه في جملة ضحايا هذا الوحش الغادر، فقد كنت ذات ليلة عائداً من زيارة لأحد الأصدقاء في (اسكدار) كانت الساعة بعد الثانية عشرة، فحاولت أن أجد عجلة تقلّني إلى فندقي، ولكنني لم أفلح؛ لأن معظم العجلات كانت مشغولة في تلك الليلة تنقل وزراء وأمراء الدولة وسفراء الدول الأجنبية وعائلاتهم إلى حفلة راقصة، منها السفارة البريطانية في قصرها. ولما عييت من إيجاد واسطة للركوب، جعلت أدرج في الشوارع متجهاً نحو هذا الفندق الذي أٍقيم فيه، ولما بلغت العطفة التي تشغل شهزاده، بشارع كوبريلي رأيت أن القنديل الذي كان يشع على هذه الزاوية قد أطفئ، وأصبح الشارع مظلماً، فشعرت بوازعٍ خفيّ ينذرني بوجود خطر في هذه الظلمة، ولكن مع ذلك ظللت سائراً في طريقي. ومع أنني لا أدخن التبغ فقد اعتدت أن أحمل علبة الثقاب دائمآً في جيبي، ولا أدري هل كان من سوء حظي أو حسنه أن أولعت عوداً منها، فوقع نظري على ثلاثة أشخاص، كان هذا الرجل ثالثهم، وقبل أن أفكر فيما يجب عليّ أن أعمله، سابقني أحدهم بهراوة كان يحملها، فزغت عنها، ولم ينل مني مأرباً، وفي هذه الفينة كان أن هجم صاحبنا درويش جهان هذا مع رفيقه الآخر عليّ بمديتيهما اللتين كانتا تلمعان في ظلام الليل، فأخذت هذه العصا الخشنة التي تراها، وضربت بها يد درويش جهان، فجعل يجعر كالثور المعقور، ومع أنني لا أدّعي ممارسة المعارك لا سيما مع رعاع قَتَلة فقد أحسست بنفسي استعداداً لم أكن أعلمه فيها من قبل لمناضلة هؤلاء القتلة، وجعلت أصرخ فيهم قائلاً: إليكم عنّي أيّها السفلة قطّاع الطرق.
وفيما كنت أضرب في هذه العصا الثخينة التي كانت هي سلاحي الوحيد، يمنة ويسرة دون وعي، بل دون تعيين هدف، وإذا بصفير العسس قد بلغ آذاننا، وكأنما هم سمعوا الجلبة العالية التي أوجدتها هذه المعركة، فأتوا يتراكضون، وكانوا ثلاثة جنود وشرطياً، فما كادوا يقربون منّا حتى صرخ درويش جهان برفيقه قائلاً: "هيا قبل أن يقبض علينا العسس". فلم أعد أسمع بعدها إلاّ وقع أقدامهم كوقع حوافر الأبغال الشاردة من لهيب السياط، أما العسس فبعد أن وقفوا منّي على جلية الخبر، وتأكّدوا من هويتي، أظهر عريفهم أسفه لما وقع لي، وحاول أن يلحق بهم هو ورجاله، ولكن عبثاً كانت محاولته ولما لم أتأكد من شخصية هذا الرجل ورفاقه ولم أذكرها لأحد، إلا للسيد الزهراوي مرّة ولك الآن أخرى، بعد أن وجدت هذا الشقي في بهو النزل بالصورة التي رأيتها.
- با لله! إنك محاط بالأخطار يا شكري بك، ومع ذلك فلا أراك تأخذ حيطة لها.
- وماذا عساي أن أفعل يا عبد الغني أفندي؟ فإن الحيطة الوحيدة هي أكثر من التجوال ليلاً وعلى الأخص إذا كنت منفرداً، ولكن هل بلغ الجبن منّا إلى حدّ أن نظلّ معه ساكنين الليل أوكارنا ونحن في النهار لا نكاد نأكل طعامنا أو نلبس ثيابنا إلا وعلينا عيون ترقبنا وتحصي حركاتنا وسكناتنا؟
إنها حالة لا تطاق ولكن لابدّ من تحمّلها!
سكت شكري بك، وبعد أن تناول ضيفه لفافته من صندوق التبغ الذي كان موضوعا على الطاولة، قال له مشيراً إلى باب غرفة متّصل في غرفته: تفضل إذا أخذك النعاس، ونم في هذه الغرفة، فلا إخالك إلا تعباً من سفرك وسهرك الطويل.
- متى عزمت السفر إلى باريز؟
- غداً إن شاء الله. فقد استأجرت غرفة (كابنه) في الباخرة (روشامبو) من شركة المساجري ماريتم، وهي تبحر غداً في تمام التاسعة والنصف إلى مرسيليا.
أطفأ عبد الغني عقب السيكارة، ونهض مادّاً يده إلى شكري بك، وتمنّى كلّ منهما للآخر نوماً هانئاً ولزم كلّ منهما غرفة نومه.
انفرد شكري بك في غرفته، وجلس على كرسي بجانب منضدة الكتابة، وأدنى إليه ورقاً وقلماً، وشرع يكتب ما يجول بفكره من المواضيع التي تهّمه وتهم قومه، ليلقيها في قاعة البرلمان. وبعد أن فرغ من تدوين خطابه، ذهب إلى سريره ونام نوماً هادئاً. وفي صباح اليوم الثاني استقلّ عجلة مع صديقه إلى الميناء موّدعاً، فركب عبد الغني أفندي السفينة، وعاد هو أدراجه إلى دار المجلس معدّاً نفسه إلى مصادفة تيّارٍ من سخط الاتحاديين الذي مارس مصادفته في كلّ جلسة يحضرها أو يخطب فيها.
لقد كان المجلس النيابي العثماني مؤلّفاً من حزبين كبيرين: حزب الاتحاد والترقّي، وحزب الحرية والائتلاف. وكانت الأكثرية الساحقة بجانب الاتحاديين، ومع ذلك فقد كان خطباء وزعماء الحزبين الأخيرين إذا وقفوا على سدة الخطابة تلاعبوا بشعور النواب وأمالوهم إلى أية وجهة شاؤوها. ومن هؤلاء المنوهين لطفي فكري بك نائب درسم، وشكري بك العسلي نائب دمشق، والفيلسوف رضا توفيق بك نائب أدرنة، وسواهم ويوجد إلى جانب هذين الحزبين كُتل أخر ولا أهمية تذكر، ويطلق عليها الهيئات المتحايدة، وهي دوماً مع من استقام حظه وقوي نفوذه، وسحر منطقه أخرى لهانظام خاص
التأم المجلس، وافتتح الرئيس الجلسة، فقام حسين جاهد بل محرّر "طنين" الآستانة، واستأذن من الرئيس بإلقاء خطابه، فأذن له، وبدأ خطابه بين عاصفة من الهتاف والتصفيق، وكان خطاب حسين جاهد بك مملوءاً بالقدح والتشهير بالعرب والألبان.